الاثنين، 12 سبتمبر 2016

في حميثرة .. ستجدني



أنت .. مرة أخري .. ما جاء بك الي هنا ألم تأمرني بأن ألقيك في صحراء لكي تبتعد عن الناس وقسوة قلوبهم .. وفي زيارتي لصحراء عيذاب قد فعلت ووضعتك فوق تل يطل علي حميثرة .. فما الذي جاء بك الي هذه المدينة الصاخبة مرة اخري ..
اه .. يا بني .. قصة طويلة ورحلة مريرة جعلتني ارجع مرة اخري الي صخب المدينة .
عندما تركتني يا بني في حميثرة وذهبت .. جلست أشاهد ليل صحراء عيذاب ويا له من ليل ساحر .. ها أنا في المكان الذي دفن في سيدي أبا الحسن الشاذلي .. أنني أعرفه جيدا لقد قابلته منذ زمن غابر يا له من رجل قلبه معلق بالله .. يتدفق النور من قلبه وعندما رأيته لأول مرة في قاهرة المعز كاد نوره يجعلني حجرا كريما أو لؤلؤة مكنونة ولكنه قال لي .. يا حجر كن كما أنت وأرضي بما قسمه الله لك تكن أغني الناس .. وأعلم أن كل مسخر لما كتبه الله له .. يا له من لقاء كان مشهودا ..
المهم يا ولدي وانا أجلس أسبح الله جاءت ريح عاصفة كادت تفتك بي لم أشعر بنفسي الا وأنا أمام مقام أبا الحسن .. وجدت نفسي بين أقدام مئات المريدين وسمعت تنهدات قلوبهم وهم يذكرون الله .. الله الله الله الله الله .. وصرت أذكر معهم .. ولكني بعد فترة صدمت مما حدث أرجعت مرة أخري لأختلط بقلوب الناس .. فجاءني هاتفا صوته يشبه صوت أبا الحسن يقول لي .. هذه ارادة الرب فما لك تسخط من قدره ..  فقلت لا والله ما سخط يوما من قضاءه ولكني كنت قد أردت أبتعد عن الناس .. فجاء صوتا عميق ملأ الأكوان " الإرادة لله يا عبدالله " .
مرت أيام وأنا أجلس بجانب مقام أبا الحسن أستمع الي آهات المحبين وأشاهد دموع العاشقين .. الكل يسأل الله بما شاء .. فمنهم من يدعي بمأثورات الادعية ومنهم من يذكر ويسبح ومنهم من يناجي الله بالكلام العامي .. دموع تتساقط وتخرج معها قسوة قلوب عباد ما عبدوا الله حق عبادته .. ولكن ما شد انتباهي شاب في الثلاثين من عمره يجلس ويضع يده فوق رأسه .. أردت الاقتراب منه فجعلت نفسي في مرمي أرجل الناس فتدحرجت حتي وصلت اليه .. وجدته لا ينطق لساعات طويلة الا بجملة واحدة " وا خجلي منك وان عفوت  " ..
مر الوقت وطالت جلسته علي هذا الحال وهو يقول هذه العبارة التي لا يقولها الا صاحب قلب منير .. وجدت راحة وأنا أجلس بجانبه وكأن موضعة أصبح مهبط لرحمات الله .. سكت الشاب قليلا ثم نظر لي وقال .. ألم تعرفني يا حجر ؟! .. قلت له لا وما لي وبحيرات قلوب العارفين بالله وقد حرم علي الغوص فيها لانها بيت الرب .. ومن دخلها احترق بلهيب الشوق والاشتياق  ..
عارف بالله .. والله ما أنا الا عبد جاهل ما قدر الله حق قدره .. تذكر قبل عشر سنوات في احد شوارع المدينة الصاخبة ذلك الشاب الذي ملأ الدنيا لعبا ولهو ذلك الشاب الذي رأيته وهو يفعل كل ما حرمه الله فجئت اليه وقلت يا فتي الا ترجي لله وقارا .. فقلت ومالك ومالي فأنا أفعل ما يحلو لي وهذه الدنيا بين يدي اقلبها كما شئت .. فقلت لي يا بني الدنيا دنية ولا تدوم عزها لاحد .. فقلت لك أغرب عني يا درويش واذهب بموعظتك هذه لاحد المغفلين لعله يستمع اليك ..
لا لا تقل أنك ذاك الشاب ذو القلب القاسي لقد اقتربت من بحيرتك فوجدتها متحجرة فعلمت انه قد ختم علي قلبك وانه لن يهديك الله ابدا .. ولكني أري بحيرتك مشرقة بالانوار فماذا حدث ..
قالي لي وقد وضع يده علي رأسه خجلا .. الله .. الله .. الله

كان قلبي قاسيا لا يعرف للحب طريقا .. كنت أفعل كل ما يغضب الله .. وما كان يزيد الامر وحشة تفاخري بهذه الكبائر ومجاهرتي بها .. لقد ظلمت أناس بعدد حبات رمال حميثرة .. كم فتاة لعبت بها وكم صديق أغويته .. كنت أعيش يومي لا أفعل فيه الا ما تشتهيه نفسي .. وفي يوم قابلت في الجامعة فتاة كانت بحق أجمل ما رأت عيني ( ليلي ) .. لم يكن جمالها كأي جمال أنثوي ولكن شئ جذبني لها .. فكرت هل لي من سبيل ان أضمها الي معرض علاقاتي الوضيعة ولكنها لم تكن مثل اي فتاة لم تفتن بكل ما معي من مال وجاه وسلطة .. كنت كلما رأيتها وجدت حاجز يمنعني منها وانا الذي لم أكن أبالي بعرض او شرف ..
وقعت في حبها وكنت كلما ذهبت لاتحدث معها تقول لي .. كلمتك .. الا ترجو لله وقارا .. فكنت أغضب واقول ان لعنة هذا الحجر تطاردني .. كانت ملاك يمشي علي الارض الكل يحبها تساعد وتحب كل من تري .. تعلق قلبي بها .. تحولت من شخص لاهي في الدنيا الي شخص قبلته هذه الفتاة حاولت ان اتقرب اليها بكل طريقة .. حاولت انا أمثل دور التقي الورع لبست الجلباب واطلقت لحيتي واصبحت لا اترك فرضا في المسجد .. ظهر علي وجهي اثر السجود .. ولكن بلا جدوي لم تخدع بكل هذا .. وكانت كلما رأيتها ابتسمت وقالت ..يا قيس اذهب اليه تجدني عنده  .. كنت اظن انها تسخر مني ولم أكن أفهم اشارتها !!
قررت ان اذهب اليها وانا اصارحها بحبي لها .. انتظرتها حتي وصلت الي الجامعة وطلبت التحدث معها ولو قليلا .. فابتسمت وقالت لي تفضل .. قلت لها يا ليلي اني احبك منذ ان رأيتك وشئ يجذبني لكي ولا أعلم ما هذا ولكني أحبك واريد الارتباط بك .. قالت لي وانا اوافقك ولكنك فعلت الكثير فارجع عن هذا واترك هذه المظاهر التي تظن انها الدين واذهب لكل من ظلمت واطلب منه العفو .. قلت لها والله لأنفذ كل هذا من أجلك .. قالت لي من اجل الله .. قلت لها نعم من أجل الله .. وبدأت أرجع الي ملف ذكرياتي وكلما تذكرت ماذا كنت أفعل كنت ابكي .. نعم اللاهي الذي لم يرجو لله وقارا اصبح يبكي .. بدأت اشعر مع كل شخص يعفو عني وكأن قلبي يجلي من كل صدا .. كان الناس يتعجبون انا اطلب مسامحتهم وانا الشيطان الذي كنت اغويهم .. ذهبت لها وقلت لقد فعلت  ما طلبتي  .. قالت لي ليس بعد أذهب الي حميثرة وهناك ستجدني .. لم أكن اعرف ما هي حميثرة هذه سألتها كيف اذهب فأحضرت لي تذكره السفر وودعتني وقالت ستجدني هناك ان شاء الله ..
عندما ذهبت الي هناك وجدت بلدة جبلية يتوسطها مسجد به مقام لرجل يدعي ابا الحسن يقولون انه من اهل الله .. لم أفهم قصدهم في البدايه .. دخلت المسجد وانا متعجب من هذا المكان الذي لم أكن يخطر لي انني سأذهب اليه يوما .. فوجدت جماعة تذكر الله فجلست بقربهم ثم جاء شيخ وعندما اقترب قام الجميع وقبلوا يده .. جلس وجلسوا امامه ثم قال بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام علي من منه انشقت الانوار والاسرار .. أما بعد فيا من سلبت ليلي عقولهم الا ترجوا لله وقارا فشعرت وكأن أحد أصاب قلبي بسهم .. فأرتعش جسدي وعلمت انا الحديث موجه الي .. ثم قال .. فان الله واحد احد فرد صمد يغار علي قلب عبده فلا تشرك به أحد وكيف لك يا مسكين ان تعيش دون ان تذوق حلاوة حبه .. تعلق كما تشاء .. تعلق بالاصدقاء والنساء وكل شهوة ولكن كل هذا لن يعطيك الا سعادة مزيفة فالسعادة في حب الله .. ثم جلس وبدأوا يذكرون الله جماعا .. الله .. الله .. الله .. الله .. بدأت أحرك لساني معهم وأقول معهم الله .. الله .. الله .. وأخذني حال لم أفق منه الا وانا امام الشيخ واحد مريدينه يقول لي هل انت بخير يا فتي  .. قلت له نعم .. ماذا حدث لي .. قال الشيخ تصالحت معه .. قلت له وهل يقبلني .. قال هو لم يمنعك منه يوما .. العبد يا بني هو البعيد اما الرب فصفته المعية فهو ما غاب عنا لحظة .. ولكني ارتكبت من الاخطاء ما لا يغفر فقال لي ... لا تضيق واسعا اخلص النية وستفتح لك ابواب الخير ان شاء الله ... ثلاث سنوات مرت يا سيدي وانا هنا لا أفارق مقام ابا الحسن .. اطلب من الله العفو والقبول ..
وليلي ماذا حدث لها هل وجدتها ؟ .. نعم وجدتها يا سيدي وجدتها مع كل ذكر لله .. علمت ان ليلي لم يكن حبا لامرأة ولكنه كان باب شوق يفتحه الله لي .. ولكني يا حجر لم يهدأ قلبي يوما .. أعلم أنه الغفور العفو ولكن واااااااااااااا خجلتاه وان عفا .. وبدأ ينشد شعر أبا الحسن الششتري
"
سلبت ليلى مني العقل
قلت يا ليلى إرحمي القتلى
حبها مكنون في الحشا مخزون
أيها المفتون قم بنا ذلا
إنني هائم ولها خادم
أيها اللائم خلني مهلا
لزمت الأعتاب وقرعت الباب
قلت للبواب هلى ترى وصلا ؟
قال لي يا صاح مهرها الأرواح
كم محب راح يعشق القتلى
أيها العاشق إن تكن صادق
للسوى فارق تغتنم وصلا
سلبت ليلى مني العقل
قلت يا ليلى ارحمي القتلى"
ثم غاب مرة اخري في ذكره .. وجلس يردد واااااااااااااا خجلتاه وان عفوت ..  
يا الله كم انت رحيم بعبادك .. ولكنك لم تجيب علي سؤالي ما جاء بك الي هنا ؟ .. قررت يا بني انا ارجع وأغوص في بحيرات الناس وأنصحهم لوجه الله .. فكم كنت مخطأ وانا اظن ان البعد عن الناس هو السبيل الصحيح .. يأست من الناس وانا في الحقيقة كنت قد يأست من رحمة الله وان يبدل أحوالكم وينير قلوبكم .. وكان هذا سوء ادب مع الله .. الله أقامني في شئ ولا بد أن أؤديه .. أعلم يا بني ان الله رحيم بكم وانه اقرب اليكم من انفسكم واحذر ان تجعل نفسك تكبل بالشهوات وان تجعل روحك تحبس داخل سجون نفسك وان تجعل قلبك يصيبه امراض الشبهات والشهوات .. واعلم يا بني انه لا حجاب يفصلك عن ربك الا حجاب الوهم .. وهم البعد عنه .. فهو القريب .. الودود .. اننا نناجي الله اوقاتا ونقول يارب دعنا نخسف الارض بهؤلاء العصاه فيقول لنا الحق عزوجل لو خلقتموهم لرحمتموهم .. ان الله عرض علينا الامانة عندما كنا جبالا ولكننا ابينا وانت يا انسان تحملتها فكن قدر هذه المسئولية .. واجعل حبك لنبيك يمتلك فؤادك فأنه سيد الاكوان والحبيب المجتبي .. فنحن معاشر الاحجار نشتاق اليه  .رحم الله جبل احد عندما وقف عليه الحبيب اهتز من شدة شوقه للحبيب ففاز الجبل بقول الحبيب .. احد جبل يحبنا ونحبه ويا له من شرف يفتخر به احد لليوم .. صلوات الله عليك يا رسول الله ..
تركت الحجر  وذهبت اتفكر في موعظته وسمعته وهو يقرأ قول الله عز وجل " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " .....