الجمعة، 24 يونيو 2016

"ملحمة الإنسان والقدر"



"ملحمة الإنسان والقدر"

 "من وحي سورة الكهف"
القدر .. بين الماضي والمستقبل 
لقد كان ومازال أهم ما يشغل الانسان هو علاقته بالاحداث التي تدور حوله وما جري له وما سيجري .
وهذا ما نسميه في ديننا بالقدر .. احد اركان الايمان التي نص عليها رسول الله لتكتمل دائرة الاستسلام لله عزوجل..
ولطالما كان القدر موضع جدل دائر بين طوائف ومذاهب المسلمين وقد تعددت اراء العلماء في تفسير ماهية القدر .
مما أدي الي ظهور العديد من المدارس الفكرية والعقدية تبحث في مفهوم القدر وتأثيره الامر الذي وصل الي ظهور جماعات تكفر بعضها وتنكر علي الاخري ما وصلت اليه من تفسيرات كالقدرية والجبرية ثم ظهور المعتزلة وأفكارها والمدارس السلفية .. ثم ظهور الأشاعرة ووضعهم تفسيرات هامة لمفاهيم الكسب والقدر احدثت توازنا كبيرا في الفكر الاسلامي ..
وبدأ العقل المسلم يدخل في دوامات فكرية عميقة كالسؤال الشائك دائما ..هل الانسان مخير ام مسير .. فهناك من رأي ان الانسان مخير تطور وتطرف هذا الفكر الي ان وصل هذا المعتقد الي ان الله غير فاعل في الكون ولكنه له الحكم الشرفي علي الكون وان الانسان هو صاحب الفعل الحقيقي في الكون .. ومن ناحية اخري من قال بان الانسان مسير فقط فقد اثار هذا الفكر في ما فائدة عمل الانسان مادام الله حكم علينا حكم مسبق وهكذا ظل القدر وفعل الانسان محل اثارة جدل دائم داخل عقل الانسان ..
ولكننا في هذه الاشارة لن نتطرق الي هذا الجدل ولكننا سنلجأ الي كلام الحق في كتابه الحكيم و نأوي الي الكهف لينشر لنا ربنا من رحمته ويأتينا من لدنه علما وفضل . فالقرأن الكريم عند يقص علينا القصص لم يكن من باب معرفة اخبار السابقين وانما في كل قصة عظات وعبر واشارات لا حصر لها ..
واذا نظرنا الي سبب تسمية هذا السورة بالكهف فأننا سننسبها الي قصة أصحاب الكهف ولكن لماذا اختار الله الكهف ليكون عنوان سورته . اظن ان سبب التسمية هي اشارة من الله عزوجل الي ان مفاهيم هذه السورة الكريمة كالكهف ملئ بالاسرار والمعاني وهي حقا ملجأ لكل صاحب نظرة فكرية يبحث عن الاشارات التي توضح له رؤية الحق..

موسي وعبد الله (الخضر)... الإنسان والقدر
عندما نقرأ آيات موسي والعبد الصالح (الخضر) نجد أنها لم تكن مجرد قصة حدثت بين نبي وعبد صالح قيل أنه نبي وقيل انه من اولياء الله .. وقال بعض العلماء انه مازال حيا !!!  ولكنها ملحمة جسد الله فيها علاقة الانسان بالقدر..
فسيدنا موسي في هذا القصة لم يكن نبي بالمعني المتعارف عليه .. فالنبي يوحي اليه ومن لحظة لقاء سيدنا موسي وهو كليم الله بهذا العبد توقف الوحي تماما ولم يدرك سيدنا موسي افعال هذا الرجل .. فسيدنا موسي في هذه الرحلة هو مجرد تجسيد كامل لمعني الانسان .. اذن فكيف ندرك تصرفات سيدنا موسي في هذه الرحلة وهو النبي المعصوم .. كثرة الاسئلة والاعتراض الدائم ليست من صفات الانبياء فهذا نبي الله موسي الذي رأي المعجزات ووقف والبحر امامه و جند فرعون وراءه ولم يشك للحظة في أمر الله ولا حكمته .. فكيف يعرف سيدنا موسي ان هذا العبد مأمور من الله ثم يعترض عليه في كل مسئله وقرار ؟!
والله يشير الي هذا المعني قبل خمس ايات من بداية الرحلة فيقول عزوجل "
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا " .
أما هذا العبد لو كان نبيا لاخبرنا الله مباشرة.. ولكن الله أخفي طبيعة هذا العبد لننشغل بالاشارات لا بطبيعة العبد فهذا العبد هو تجسيد كامل لقدر الله في صورة ظاهرة وناطقه ليظهر الله لنا حقيقة قدره في تنفيذ مشيئته وتبيان حكمته وعلاقته بالانسان العجول الجهول ..

تبدأ قصة سيدنا موسي (الإنسان) بأمر من الله أن يذهب للقاء العبد الذي أتاه الله العلم والرحمه .. فيبدأ موسي رحلته مع احد فتيانه .. وهو اشارة رمزية لرحلة الانسان مع نفسه ..
"وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا" .. فمكان هذا العبد هو مجمع البحرين .. بحر الحياه وبحر الحقائق الالهية , فقدر الله ادركه الانسان عندما اجتمعت الروح بالجسد ,عالم الحقائق بعالم الاوهام .
"فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا" وهنا اشارة الي ان الانسان كان يحمل زاده قبل بدأ الرحلة وهو العهد الذي اخذه الله علي الانسان وهو في عالم الذر عهد التوحيد."وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ" ولكن الانسان عندما اجتمع روحه بجسده عند مجمع البحرين وشاء الله له الوصول الي الحياة الدنيا نسيا هذا الوعد الالهي وألهته الحياة بشهواتها وزينتها  فعاد هذا الوعد الي بحر الحقائق فلا يصل اليه الا من خاض هذا البحر قيصل الي حقيقة لا اله الا الله ولكن الانسان عندما يتعب من الحياة ويشعر بالاحتياج يتذكر العهد القديم ويلجأ الي الله..
"فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا" ….
"قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا .